“الباشا” رشيد عساف بطل “جوكر” وهناك وجوه “بوكر”
“الباشا” عمل قادم من ذاك الزمن الرمادي، حيث المخيلة تتفتح على وقع الحنين وحكايات الحب ورجالات السطوة وبيوت البساطة. هذا القدم هو رحلة للمشاهد نحو سالف الأزمنة والأمكنة، يسترق متابعة شخصيات تحكي الحب والكره والصراع بألبسة عتيقة وسراويل وفساتين كان لها حياة منذ مئة عام.
“الباشا” عمل كان قد بث سابقاً وحظي بشعبية كبيرة وهو الأن يعاد بثه عبر قناة “الجديد”. نجاحه في ذاك العتق إذ يتيح للمشاهد سفرة ليعيش مع غابر الناس. يتعرّف على أكلهم وعلاقاتهم وخطاباتهم وطريقة حبهم، وقراهم ببيوتها الحجرية التي تعبق برسائل أجيال انطوت ووصلت ألينا لنعيش فيها مشاوير الأبطال على تلك الدروب.
رشيد عساف الباشا رجل متعنّت شديد السطوة لا يأبه سوى الى الاستحواذ على كل شيء. رجل عابر للزمن فمنه الكثير في كل آن. يضرب يقسو لينال ما يريد ييسلب الفلاحين أراضيهم ويخضع الجميع لقراراته. يعيش حياة المجون يعجب بالفتيات ويحصل على ما يودَ منهم في ليلة غرامية ثم ينكر عليهن ثمرة بطونهن.
عساف، باشا في أدائه، قادر أن ينهض بالعمل بمفرده ويرفع بنيانه عالياً. يأكل الشاشة، يأخذنا في حضوره القوي المقنع. صوته ضحكته حركاته فرادة شخصيته. رجل على الرغم من كل قسوته تحبّه. استطاع برمش عينه أن يغرينا، بضعفه عندما يحب أن نغفر خطاياه، بحبه لأمه وفدائها والدفاع عنها أن نقف بصفه.
رشيد عساف غول على الشاشة لا شيء يقع منه سهواً. جلسته طريقة قضمه التفاحة، الصوت الذي يستعمله السوط الذي يحركه. يتلبس الشخصية ويلبسها إنه باشا العمل ورافعته وكل ما تبقى كومبارس حوله فأي شخصية في العمل ترتفع بمجرّد أن تقيم معه حواراً. وكل حوار بعيد عن الباشا يمكن أن نصفه بأنه عادي ورتيب ولا يعوّل عليه.
العمل مرَ منه حتى الآن أكثر من خمسين حلقة والحوارات والأحداث المنتظرة لم تقم بعد. وشوكت “جيهان خماس” ما زالت تتلكأ لنيل مبتغاها ونحن ننتظر معها في ملل.
سمة العمل حوارات أقل، حوارات مكررة. تعابير تحضر عشرات المرّات ولا شيء يفوقها مثل “يا حمار”، “يا خيي”، كلمات الغفران على لسان صالح. هذا الضعف المذري في الحوارات حيث لا كلام يشد ولا تجدد في الحوار. فقط نتكل على صمت المشهد وكأننا أمام شريط صور متحركة صامتة تذكرنا بتوم وجيري نفهم الحدث دون كلام.
بالرغم من ضعف السيناريو استطاعت جيهان خماس “شوكت” ان تلفتنا في حزنها وفقرها وحبها. لبست دورها على أكمل وجه فكانت المميزة عنا والمميزة عند الباشا فاستحقت حبه وضعفه ورقته، التي لا نشهدها الا عندما تحضر ومعها وعاء الحب الذي ترشه على الجميع.
“انتصار” شخصية نافرة بكل أبعادها استطاعت سهى قيقانو ان تؤديها كما يجب. امرأة تدير ماخوراً من النساء الغانيات. فكانت سيدة هذا الماخور بلباسها وصوتها الناري ومكياجها الغريب غير المفهوم. تسربلت بالدور حد اقتناعنا انها ولدت لهذا العمل وأن ما تقوم به له نساؤه وحيلهم ونزقتهم. قيقانو كانت بطلة بدورها حد اليقين أنّها ولدت في كباريه.
أنور نور أو وحيد، فنان الشارة وهو في الغناء أفضل من مراوحته هنا مع كأس العرق الذي شهدناه يقرعه أكثر من أي شيء أخر. دور ظلمه بالرغم من نقاء هذا الدور ونبالته الا أنّ وحيد كان دوماً على نفس النبرة والمحيا والتعابير، سواء كان عاشقاً او ناقماً وكأن جبينه وعيونه لا تجيد سوى ملمح واحد وتأفّف واحد، لغته الجسدية لا تتماوج ولا تتطوَّع. فهو أقرب ما يكون الى وجه بوكر بسمات واحدة غير انفعالية. إنه الخاسر في الأداء والخاسر مع حبيباته واحدة تركته لتتزوّج أخاه وأخرى تركته لتتزوّج والده.
نيكولا معوض شخصية متسلّقة ورث السفالة عن والده، نجح في أن يرسل إلينا مكره وغدره وأظن انه بطل الحلقات المقبلة، فحشرجة صوته تنبأ بأنه يعد العدة ليكون بطل القصة فيقع في حرب مع والده بعد أن سرق له أوراق ممتلكاته. نيكولا ممثل حرَيف يبخ سماً أحيانا ويراوغ بالرصانة أحياناً اخرى ليصل الى مبتغاها.
“الباشا” عمل يضيع بين الجدية والفكاهة الغليظة، ولعل وجود ” المهابيل الثلاث” زلم الباشا البسطاء يرخي بثقلهم على العمل، فلا نفعهم الدور بما يملكون من تاريخ في مجال الفن، لا سيما طوني نصير، ولا أضافوا الى الدراما هنا سوى ألاعيب ساذجة. الخفة احياناً تصنع جماهيرية لكن الحرفية تصنع فناً.
رانيا عيسى التي أعمى الطمع عيونها عرفت كيف تلعب دورها تتمسَكن لتتمكّن. فهي التي تنشد الغنى فتتزوج أبن الباشا التَقي الزاهد بالدنيا وما فيها والساكن في ظلال الله والمغفرة. رانيا ممثلة كيفما رميتها تأتي واقفة وتعرف كيف تعرج بين الأدوار دون أن تقع.
ننتظر من الباشا خواتيم أفضل وتطوّرات أسرع، بعيداً عن الرتابة وتقليل من مشاهد الرقص وشرب العرق فقد حفظنا ذلك جيداً. ساحات رشيد عساف أوسع وباستطاعته أن يرتقي كل ما هو مهترئ. بانتظار أن يكون النص قد استجمع قواه بشكل أفضل بما هو قادم.